ن أعظم الأخلاق رفعة العفو عند المقدرة , وهذه عبادة مهجورة , وهي من صفات
الله وأسمائه الحسنى فهو سبحانه : العفو القدير , أي:يعفو بعد مقدرته على
الأخذ بالذنب والعقوبة على المعصية .
فالعفو بدون مقدرة قد يكون عجزاً وقهراً , ولكن العفو مع المقدرة
والانتقام فلا شك أنه صفة عظيمة لله فيها الكمال , فهو سبحانه يحب العفو ,
ويحب أن يرى عبده يعفو عن الناس
, وقد ربى رسوله على ذلك الخلق العظيم فقال الله لرسوله :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199)
ويقول سبحانه وتعالى :
( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(الشورى: من الآية40)
وقد بشر الرسول صلى الله وسلم عليه رجلا بالجنة في ثلاثة أيام متتالية ,
وليس له زيادة صلاة ولا زيادة صيام ولا زيادة صدقة , وهو لا يتنفل بالقيام
كثيرا ولا بالصلاة كثيرا , ولكنه بشر بالجنة وهو يسمع .
فلما تقصى ابن عمر رضي الله عنه ذلك وجد أنه لا ينام حتى يعفو عن الناس
كلهم يقول : اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس وعفوت عمن ظلمني .
فالمسلم يكون هينا لينا سمحا تقيا , سهلا عفوا قريبا إلى الناس , متوددا
إليهم , باذلا لهم , ناصحا لهم , ملتمسا لهم الأعذار في جميع تصرفاتهم
نحوه , ويقول إذا صدر منهم ما يغضبه: هذا من الشيطان وليس منهم بل الشيطان
هو الذي نزغ بهم , وهو الذي شجعهم على ذلك .
ومن حاول أن يربي نفسه على هذه العبادة عاش مستريحاً , ينام ويستيقظ وهو في راحة .
يقول الإمام ابن القيم : (يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب
لايعلمها الا هو , وإنك تحب أن يغفرها لك الله , فإذا أحببت أن يغفرها لك
فاغفر أنت لعباده , وأن وأحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده , فأنما
الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب
بالحق هنا يطالب بالحق هناك).