نسبها ونشأتها
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن عبد العزيز بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب ابن غالب بن فهر ،وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم وينتهي نسبها إلى غالب بن فهر.
ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556 م) في مكة, تربت في بيت مجد و رياسة , ونشأت على الأخلاق الحميده, و كانت تسمي في الجاهلية بالطاهرة , وقد مات والدها يوم حرب الفجّار.
تزوجت مرتين قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم ..من سيدين من سادات قريش هما: عتيق بن عائذ المخزومي, و ابو هالة بن زرارة التميمى.
وقد كانت السيدة خديجة تاجرة ذات مال, وكانت تستأجر الرجال و تدفع المال مضاربة , فبلغها أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يدعى بالصادق الأمين و انه كريم الأخلاق , فبعثت إلية و طلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام يدعى "ميسرة" , وقد وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زواجها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
رجعت قافلة التجارة من الشام و قد ربحت أضعاف ما كانت تربح من قبل , و اخبر الغلام " ميسرة " السيدة خديجة رضي الله عنها.. عن أخلاق رسول الله و صدقة و امانته , فأعجبها و حكت لصديقتها " نفيسة بن مُنية " , فطمئنتها "نفيسة" و اعتزمت أن تخبر صلى الله عليه وسلم برغبة السيدة خديجة من الزواج منه.
لم تمض إلا فترة قصيرة حتى تلقى رسول الله دعوة السيدة "خديجة" للزواج منه فسارع إليها ملبيا و في صحبته عماه " أبو طالب بن عبد المطلب و حمزة بن عبد المطلب , ابنا عبد المطلب ". وقد اثنى علية عمها " عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ " و تزوج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها.
كان عمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندها 25 عاماً , و السيدة خديجة 40 عاماً , فكانت بمثابة الأم الحنون و الزوجة المخلصة.
أولادها
ابنه من زوجها عتيق بن عائذ المخزومي
ولد من زوجها أبو هالة بن زرارة التميمي..ويدعى " هند "
و أنجبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
القاسم , و عبد الله بن محمد , و زينب بنت محمد , و رقية , و أم كلثوم , و فاطمة .
إسلامها
كان قد مضى على زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم 15 عاماً , و قد بلغ سيدنا محمد الأربعين من العمر , وكان قد اعتاد على الخلوة في "غار حراء" ليتأمل و يتدبر في الكون و نواميسة و إسراره , و في القوة العظمى التي تدير هذا الكون بكل هذه الدقة و الأحكام.
و في ليلة القدر , عندما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم و اصطفاه الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء و المرسلين , انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله خائفاً يرتجف, حتى بلغ حجرة زوجته خديجة فقال : " زملوني " ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال : " مالي يا خديجة؟ , و حدثها بصوت مرتجف , و حكى لها ما حدث...وقال صلى الله عليه وسلم " لقد خشيت على نفسي ".
ضمتة الى صدرها و هتفت في ثقة و يقين :
"" الله يرعانا يا أبا القاسم , ابشر يا ابن عم و اثبت , فوالذي نفس خديجة بيده , إني لأرجوا أن تكون نبي هذه الأمة , والله لا يخزيك الله أبداً... إنك لتصل الرحم , وتصدق الحديث , وتحمل الكَلّ , وتقرى الضيف , وتعين على نوائب الحق ""
فكانت أول من آمن برسالته و صدّقه....فكانت بهذا أول من اسلم من المسلمين جميعا و أول من اسلم من النساء....وأيضا هي أم المؤمنين الاولى.
أحس الرسول بالراحة و الطمأنينة وهى تقوده في رفق إلى فراشه , واستغرق في نوم هادئ.
ذهبت السيدة خديجة مسرعة إلى ابن عمها " ورقة بن نوفل " و عندما سمع منها ما حدث لزوجها..رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض يقول في حماس : " قدوس..قدوس و الذي نفس ورقة بيده , لئن كنت صدقتني يا خديجة , لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى و عيسى , وإنه لنبي هذه الأمة , فقولي له فليثبت " .
لم تنتنظر السيدة خديجة أن يكمل "ورقة" كلامه , و أسرعت إلى زوجها الحبيب تزف له البشرى.
منزلة السيدة "خديجة" عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانت للسيدة "خديجة" منزلة خاصة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عاقلة، جليلة، دينه، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أمر الله تعالى رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.. وحتى بعد وفاتها...وزواج رسول الله من غيرها من امهات المؤمنين...لم تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح " خديجة " عن مكانتها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبعد أعوام من وفاتها...و بعد انتصار المسلمين في معركة " بدر " و إثناء تلقى فدية الأسرى من قريش , لمح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة لخديجة بعثت بها ابنتها " زينب " في فداء لزوجها الأسير " أبى العاص بن الربيع " حتى رق قلب البطل المصطفى صلى الله عليه وسلم من شجو و شجن و ذكرى لزوجته الأولى " خديجة "...تلك الزوجة المخلصة الحنون , التي انفردت بقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربع قرن من الزمان لم تشاركها فيه أخرى , فطلب رسول الله من أتباعه أن يردوا على زينب قلادتها و يفكوا أسيرها .
وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة , فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال:" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها , آمنت بي حين كفر الناس , وصدقتني إذ كذبني الناس , و واستني بمالها إذ حرمني الناس , ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء "ً...فقالت السيدة عائشة..رضي الله عنها.." يا رسول الله , اعف عنى , ولا تسمعني أذكر "خديجة" بعد هذا اليوم بشئ تكرهه "
وقبل ذلك , لم تكن السيدة عائشة تكف عن الكلام عنها..فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.." ما غرت على احد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة . وما رأيتها , ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها و ربما ذبح الشاة ثم قطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة , فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة . فيقول : إنها كانت و كانت , وكان لي منها ولد..."
وحتى في يوم فتح مكة , وقد مضى على وفاة "خديجة" أكثر من عشر سنين حافلة بأجل الأحداث , أختار رسول الله صلى الله عليه وسلم مكاناً بجوار قبر السيدة "خديجة" أم المؤمنين الأولى , ليشرف منه على فتح مكة .
وفاتها
توفيت السيدة " خديجة " أم المؤمنين الأولى و وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بثلاث أعوام , وكان عمرها 65 عاماً.
توفيت بين يدي الزوج الذي تفانت في حبه منذ لقيته , و النبي الذي صدقته و آمنت برسالته من فجر ليلة القدر , وجاهدت معه حتى الرمق الأخير من حياتها , وكانت له سكناً و ملاذا , إلى أن رجعت نفسها المطمئنة إلى ربها راضية مرضية .
و أنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده , و دفنها بالحجون.
قال عنها المؤرخون
يقول " بودلى " :
( إن ثقتها في الرجل الذي تزوجته..لأنها أحبته..كانت تضفى جوا من الثقة على المراحل الأولى للعقيدة التي يدين بها اليوم واحد في كل سبعة من سكان العالم )
و يؤرخ " مرجليوث " حياة محمد صلى الله عليه وسلم باليوم الذي لقي فيه خديجة و "مدت يدها إلية تقديرا".. , كما يؤرخ حادث هجرة إلى "يثرب" باليوم الذي خلت فيه "مكة" من "خديجة"
و يطيل " درمنجم " الحديث عن موقف " خديجة " حين جاءها زوجها من غار حراء " خائفا مقرورا أشعث الشعر و اللحية , غريب النظرات ... , فإذا بها ترد إلية السكينة و الأمن , و تسبغ عليه ود الحبيبة و إخلاص الزوجة و حنان الأمهات , وتضمه إلى صدرها فيجد فيه حضن الأم الذي يحتمى به من كل عدوان في الدنيا " , وكتب عن وفاتها : " ... فقد محمد بوفاة خديجة تلك التي كانت اول من علم أمره فصدقته , تلك التي لم تكف عن إلقاء السكينة في قلبه...والتي ظلت ما عاشت تشمله بحب الزوجات و حنان الامهات