بسم الله الرحمن الرحيم
قال إبن القيم - رحمه الله في طريق الهجرتين وباب السعادتين
"المجاهدون في سبيل الله هم جند الله الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأس أعدائه ويحفظ بهم بيضة الإسلام ويحمي بهم حوزة الدين وهم الذين يقاتلون أعداء الله ليكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا قد بذلوا أنفسهم في محبة الله ونصر دينه وإعلاء كلمته ودفع أعدائه وهم شركاء لكل من يحمونه بسيوفهم في أعمالهم التي يعملونها وإن باتوا في ديارهم ولهم مثل أجور من عبد الله بسبب جهادهم وفتوحهم فإنهم كانوا هم السبب فيه والشارع قد نزل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر والوزر ولهذا كان الداعي إلى الهدى والداعي إلى الضلال لكل منهما بتسببه مثل أجر من تبعه وقد تظاهرت آيات الكتاب وتواترت نصوص السنة على الترغيب في الجهاد والحض عليه ومدح أهله والإخبار عما لهم عند ربهم من أنواع الكرامات والعطايا الجزيلات ويكفي في ذلك
قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }
فتشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة الدال عليها رب العالمين العليم الحكيم
فقال{ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ }
فكأن النفوس ضنت بحياتها وبقائها فقال {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
يعني أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة فكأنها قالت فما لنا في الجهاد من الحظ فقال{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ} مع المغفرة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فكأنها قالت هذا في الآخرة فما لنا في الدنيا
فقال { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}"