من نعم الله على الإنسان أن جعله خليفته في أرضه وأطلق له العنان في ملكه في الحيا ة الدنيا فيما يقع تحت علمه وإرادته وقدرته وعلمه ما لم يكن يعلم وكرمه تكريما عظيما وفضله على كثير من خلقه تفضيلا وسخر له جميع ما في السماوات والأرض والجبال والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وذلك من أجل حسن خلافته وتمكنه من تمام أداء أمانته وطاعته لله والإخلاص له في عبادته التي هي الغاية من خلقه في هذه الحياة وسر تكريمه وخلافته .
وقد أكد القرآن الكريم كل هذه المعاني في كثير من نصوصه القرآنية الخالدة والتي منها :
1 ـ قوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " (الإسراء 70 ).
2 ـ وقوله تعالى:"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " (البقرة 30 ).
3 ـ وقوله تعالى: " وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون * وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون * وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون * أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون * وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم (النحل من الآية 12 . 18 ).
وتكليف الإنسان باستخلاف هذه الحياة الدنيا وعمارتها لنفسه ولبني جنسه ولكل مخلوقات الله في أرضه وطاعته في ذلك طاعة خالصة لله في تكليفه وفي عبادته, ثابت ومقرر في كتاب الله الخالد في قوله تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "
( الذاريات 56 ـ 58 ).
وقوله سبحانه: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ( الأحزاب 72 ).
والمراد بالأمانة في الآية هو أمانة التكاليف الشرعي ورعايتها والعمل بها والدعوة إليها جيلا بعد جيل في بني الإنسان في كل زمان وفي كل مكان مع اختلاف الأجناس والألوان واللسان إلى أن تقوم الساعة .
والعلم بهذه التكاليف ومعرفة حدود هذه الأمانة أمر ضروري في التزام هذه التكاليف وذلك لقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (الإسراء 15 ).
ولهذا فقد كان مناط هذا التكليف الإلهي هو العلم به ولذا كان هذا العلم منوط مع هذا الإنسان المستخلف مع أنه غريزة فيه إلا أنه طلب تنميته وجعل معه فرضا عينيا في الوصول به إلى معرفة الذات العلية والإيمان عن اقتناع ويقين بالله رب العالمين صاحب هذه التكاليف الشرعية والإنسانية العالمية .
وبهذا العلم الضروري والإلهي كرم الإنسان ورفع قدره إلى المكانة التي تليق بالذات العلية ولذلك كانت منزلة العلماء في الإسلام منزلة رفيعة مع الملائكة المقربين الذين شهدوا لله بالوحدانية مع شهادته سبحانه لنفسه فارتفعت مكانتهم بهذا العلم إلى هذه المكانة التي شهد الله فيها لنفسه بالوحدانية مع ملائكته وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ( آل عمران 18 ).
وطلب العلم في الإسلام فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة في كل مظهر من مظاهر الدنيا وبما لا غنى للناس عنه في تحقيق استخلاف الأرض والحياة وعمارتها على الوجه الأكمل وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " (طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه ابن ماجه والمسلم المراد به المسلم والمسلمة), كما حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه ورغب فيه بقوله:" (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) (رواه الترمذي وقال حديث حسن .
وقد حث القرآن الكريم في آيات كثيرة على العلم منها قوله تعالى:"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "(الزمر 9 ).
وقوله سبحانه:يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " ( المجادلة 11 )
وقوله سبحانه:" نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم"(يوسف الآية 76 ).
وقوله سبحانه:"فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون "(البقرة الآية 239 )
وقوله سبحانه:"وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما"(النساء من الآية 113 ).
وقوله سبحانه:"في علم الفقه والدين والحث عليه: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "